Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Le blog de Banta-WAGUE

Le blog de Banta-WAGUE

C'est l'espace idéal pour partager le plus cher au monde avec mes chers frères, amis, sœurs et le monde entier ; celui du savoir. B.W


دور المرأة المسلمة في تنمية المجتمع (Le rôle de la femme musulmane dans le développement de la société)

Publié par Banta-WAGUE sur 1 Novembre 2013, 20:37pm

Catégories : #En Arabe

Par Banta Wague, Université islamique de Say, Niger, Avril 2006.

بقية البحث في أماكن متفرقة من الموقع نفسه

 

فهرس الموضوعات

الموضوع                                                                   الصفحة

الاقتباس 

الإهداء 

الشكر و العرفان

المقدمة 

الفصل الأول

تنمية المجتمع

* المبحث الأول : التعريف بالمجتمع ، و ضرورة الحياة الاجتماعية

أولا : التعريف بالمجتمع 

ثانيا : ضرورة الحياة الاجتماعية

* المبحث الثاني : المقصود بتنمية المجتمع ، و متطلباتها

أولا : المقصود بتنمية المجتمع 

ثانيا : متطلبات تنمية المجتمع 

النقطة الأولى : رفع الظلم عن أفراد المجتمع 

النقطة الثانية : مشاركة الجماهير 

النقطة الثالثة : الاستمرارية و الرقابة 

النقطة الرابعة : اختيار أكفاء المجتمع 

النقطة الخامسة : القيم الاجتماعية السائدة 

الفصل الثاني

المرأة المسلمة و تنمية المجتمع

* المبحث الأول : دور المرأة المسلمة غير المباشر في تنمية المجتمع 

أولا : أهمية الأسرة و دور المرأة في إدارة شؤونها في المجتمع

ثانيا : اعتراف بعض الغربيين بدور المرأة في الأسرة 

ثالثا : تربية المرأة المسلمة نفسها بالاتصاف بالأخلاق الرفيعة

رابعا : اجتناب المرأة المسلمة الصفات الذميمة والمخلة بنظام المجتمع 

خامسا : اهتمام المرأة المسلمة بزوجها

سادسا : تربية المرأة المسلمة لأبنائها

سابعا : تعمير المرأة المسلمة البيت الزوجي

* المبحث الثاني : دور المرأة المسلمة المباشر في تنمية المجتمع 

أولا : عمل المرأة خارج المنزل في الميزان 

ثانيا : دور المرأة في مجالات التنمية 

1- في المجال الثقافي 

2- في المجال الاجتماعي 

3- في المجال السياسي 

4- في المجال الدعوي 

5- في المجال الاقتصادي

6- في المجال الإعلامي 

7- في المجال الصحي

خاتمة

قائمة المصادر و المراجع 

فهرس الموضوعات

 

قال الله تعالى :

]  و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم [

سورة التوبة ، الآية : 71.

] فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض[

سورة آل عمران ، الآية : 195.

] من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة و لنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [.

سورة النحل ، الآية : 97.

" إنما النساء شقائق الرجال " أبو داود .

 

الأم مدرسة إذا أعددتهــــا     أعددت شعبا طيب الأعـــراق

الأم أستاذ الأساتــذة الأولـى     شغلت مآثرهم مدى الآفــــاق

أنا لا أقول دعوا النساء سوافـرا    بين الرجال يجلن في الأســواق

يفعلن أفعال الرجال لواهيـــا    عن واجبات نواعـس الأحــداق

كلا و لا أدعوكم أن تسرفــوا     في الحجب و التضييق و الإرهاق

ليست نساؤكم أثاثا يقتنـــى      في الدور بين مخادع و طبــاق

فتوسطوا في الحالتين و أنصفوا     فالشر في التقييد و الإطـــلاق

 [ حافظ إبراهيم ]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

الحمد لله الذي خلق الإنسان و علّمه ما لم يعلم، و الذي خلق الإنسان من نفس واحدة وخلق منها رجالا كثيرا و نساء، و جعلهم شعوبا و قبائل ليتعارفوا و يتبادلوا منافعهم في الحياة الدنيا. و الصلاة و السلام على البشير النذير و السراج المنير، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي محا الله به ظلمات الجهل في الحضارات ، و أزال به معالم الوثنية و الضلال و الاستهانة بالإنسـان الذي كرمه الله ، و أعلى به منار التوحيد و الإيمان فزال به الظلم و الحرمان عن النـاس ، و على آله و أصحابه شموس العلم والعرفان ، التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

و بعد :

إن موضوع المرأة و دورها في المجتمع من الموضوعات التي كثرت حولها الكتابات والمناقشات في هذا العصر الموصوف بالانفتاح و التقارب ، و تتابين هذه الكتابات إلى نقطة التضاد أحيانا ، و هي تتمحور حول ثلاث مجموعات :

* المجموعة الأولى : هي التي تريد أن تفرض على المرأة المسلمة التقاليد الغربية ؛ بما فيها فساد و تحلل من القيم الدينية، و انحراف عن سواء الفطرة، و بعد عن الصراط المستقيم ، و هم بذلك يريدون من المرأة المسلمة أن تتتبـع سنن المرأة الغربية " شبرا بشبـر و ذراعا بذراع " كما صور الحديث النبـوي، حتى لو دخلت جحر ضب لدخلته وراءها ، على ما في جحر الضب من الالتواء و الضيق و سوء الرائحة ، و مع ذلك لو دخلته المرأة الغربية لدخلته المرأة المسلمة بعدها[1].

* المجموعة الثانيـة : هي التي ولدتها ظروف التخلف و الإدبار الحضاري للعالم الإسلامي فبالغ أصحاب هذه المجموعة في المحافظة على المرأة فأحاطوها بأنواع من الأعراف والتقاليد حتى حجبت عن الحياة العامة، وأرادوا لها عدم الحركة وعدم الاهتمام بما يدور حولها.

* المجموعة الثالثة : هي التي تسلك وسطية الإسلام في قضية المرأة ودورها، فآمنت بوحدة النوع الإنساني و أعطت كل نوع ما يجيـده ، و راعت ضرورة مشاركة جميع أبناء المجتمع الإسلامي إما بشكل مشاركة مباشرة أو غير مباشرة . فلم يأخذ هذا التيار الوسطي الإسلامي من التيار المادي الفردي الرافض للقيم و الأخلاق و المتاجـر بجسد المرأة أكثر من الانتفـاع من فكرها و علمها ، كما لا يأخذ من التيـار التقليدي الذي لا يرى من المرأة سوى زهرة جميلة ينبغي أن تصان في أماكن دافئة بعيـدة عن الحركة والانفتاح و التفكير و الاهتمام بهموم المجتمع .

و لأهمية هذا التيار الأخير، و هذا الدور الحيوي للمرأة المسلمة في الوقت المعاصر، فقد وقع اختياري بعد توفيق من الله عز وجل على هذا الموضوع ، و عنونته بـ " دور المرأة المسلمة في تنمية المجتمع " للأسباب التالية :

من أسباب الاختيار :

1- إبراز الدور الحقيقي و الحيوي الذي وكّله الإسلام للمرأة المسلمـة في المجتمع الإسلامي.

2- إلقاء الضوء الساطع على الأصوات و الكتابات المعتدلة في قضية المرأة التي هي قضية المجتمع و دورها في التنمية المجتمعية.

3- الحاجة الملحة لتنمية مجتمعاتنا المعاصرة و القضاء على أواصر الجهل و الفقر والحرمان، و ذلك بضرورة مشاركة جميع المؤهليـن و المؤهلات من أبناء المجتمع، ونشر الوعي و التثقيف.

4- تشجيع جميع أبناء المجتمع على المشاركة في التنمية الاجتماعية و فتح الباب أمام الجميع للقضاء على ظاهرة هجرة العقول(Emigration des cerveaux)، علما بأن الوزارة الخارجية الأمريكية فتحت مكتبـا خاصا يسمى " الزائرة " ، و ذلك لاستقطاب واستقبال النسـاء المسلمات للعمل معهن لما يخدم المصالح الأمريكية بدعوى حقوق المرأة .

المنهج المتبع في البحث :

لقد حاولت أن أسلك منهج التوسط في هذا الموضوع الشائك، و اعتمدت في ذلك على كثير من كتب علماء الأمة و آراء المخلصين و المخلصات لنهوض هذه الأمة و تبوئها مكانة الريادة و القيادة للعالم ، و اعتمدت في ذلك على الآراء الصائبة بغض النظر عن القائل ، متوخيا الموضوعية قدر الإمكان ؛ و لذلك كنت حريصا على عزو النصوص إلى مظانها ، و تخريج الآيات و الأحاديث من مصادرها الأصلية .

خطة البحث :

و قد قسمت هذه الدراسة إلى فصلين :

الفصل الأول بعنوان " تنمية المجتمع " و يتضمن مبحثين :

يتناول المبحث الأول التعريف بالمجتمع من الناحية اللغوية و الاصطلاحية ، و ذكر أنواعه بالنظر إلى اعتبارات عدة ، و أهمية تنمية جميع هذه الأنواع . كما وقع التعرض إلى بيان ضرورة الحياة الاجتماعيـة لأن الإنسـان كائن اجتماعي بالطبع ، و القوانين والأسباب هذه الحياة .

ويتناول المبحث الثاني المقصود بالتنمية من الناحية اللغوية والاصطلاحية والتركيبية، و عرّجت على الحديث عن خصائص التنمية و ضرورة عمل الحكام مع شعوبهـم من أجل القضاء على سياسة الإفقار الدولية. كما ذكرت شيئا من جوانب التنميـة و ختمتها بالجانب الأخلاقي لأهميته في الإسـلام ، و إن كانت معظم الكتابات الاقتصادية تهتـمّ بالجوانب المادية دون الجانب المعنوي من التنمية و من الحياة عموما، ثم اهتممت بذكر متطلبات التنمية.

أما الفصل الثاني ، فكان بعنوان " المرأة المسلمة و تنمية المجتمع " ، و يحتوي كذلك على مبحثين اثنين :

تناول المبحث الأول دور المرأة المسلمة غير المباشر في تنمية المجتمع، وقد حاولت فيه أن أبرز هذا الدور غير المباشر عبر الأسرة ، و ذكرت أهميتها ، و ضرورة تربية المرأة و اتصافها بالأخلاق الإسلامية الفاضلة و اجتنابهـا الصفات الذميمة التي تعرقل تقدم المجتمع . ثم ذكرت ضرورة اهتمامها بزوجهـا و رعايتـه و محاولة الدخول في أعماقه و قلبه و خلق مناخ هادئ و مستقر لتربية الأولاد تربية جادة و سليمة، و تعليمهم المحافظة على نظام المجتمع وتحويل البيت الزوجي إلى روضة من السكون والاستقرار و تأثير ذلك كله على الإنتـاج و تنمية المجتمع تنمية شاملة . كما تحدثت عن ضرورة مبادرة المرأة المسلمة إلى القضاء على كل أشكال الإسراف والتبذير، لما فيها من عرقلة لتنمية المجتمع .

و تناول المبحث الثاني دور المرأة المسلمة المباشر في تنمية المجتمع، و قد حاولت فيه إبراز هذا الدور في تنمية المجتمع ثقافيا، واجتماعيا، وسياسيا، و دعويا، واقتصاديا، وإعلاميا، و صحيا.

تحدثت فيه عن ضرورة جهاد المرأة ضد الأمية بمفهومها القديم و الحديث، و ذكرت أهميـة مشاركتهـا في الأنشطة الاجتماعيـة، و دورها في المجال السياسي من خلال المبايعة والتمثيـل البرلماني. ثم درست دورها الدعوي الذي يكاد يغيب عن الساحة ، وذكرت دورها الاقتصادي سواء في المنزل أو خارجه، و دورها الإعلامي و في مجال الصحة العامة والطب. و لما كان هذا الدور قد يحتاج الخروج من البيت والعمل خارجه فقد ذكرت شروط و ضوابط الخروج لما يعود بالمجتمع من الخير و الصلاح والنجاح.

هذا ، و لا أدعي لنفسي الكمال ، فالكمال لله وحده ، و أما الإنسان فمعرض للخطإ والنسيان، فإن كان هناك توفيق فمن الله و نحمده على ذلك ، و إن كان هناك تقصير أو سهو فمن النفس ، و هذا دأب الإنسان . " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب " [ سورة هود ، الآية : 88 ].

بانت عبد القادر وغي

ساي : 25/04/2006م

المبحث الأول : التعريف بالمجتمع و ضرورة الحياة الاجتماعية

أولا : التعريف بالمجتمع :

المجتمع لغة: مشتق من الفعل " اجتمع ضد تفرق"[2]، و المجتمع " موضع الاجتماع أو الجماعة من الناس "[3].

المجتمع اصطلاحا : " كل مجموعة أفراد تربطهم رابطة ما معروفة لديهم و لها أثر دائم أو مؤقت في حياتهم و في علاقاتهم مع بعض "[4].

فالمجتمع إذن يطلق على جماعة المسلمين، و جماعة المسيحيين، و جماعة اليهود، وعلى أفراد الأمة، و المدينة، و القرية، و الحي، و الأسرة. كما يطلق لفظ المجتمع على من تتألف منهم جماعة، أو كلية، أو مدرسة، أو فصل، أو جمعية، أو مؤسسة، أو نقابة، أو حزب ، أو مجلس تشريعي أو تنفيذي أو قضائي ، و يطلق على القائمين بشؤون مشروع صناعي أو تجاري، كما يطلق على الناس يجتمعون عرضا في الطريق لمشاهدة حادث ، أو في ملعب لحضور مباراة رياضية ، أو مسرح لرؤية تمثيلية، أو في قاعة للاستماع إلى محاضرة عامة ، أو في مسجد أو كنيسة لأداء عبادات، أو في قطار أو سيارة أو باخرة أو طائرة للوصول إلى مقاصدهم[5].

من خلال هذا التوضيح و الشرح نجد أن الدكتور وافي علي عبد الواحد بيّن أنواعا كثيرة من المجتمعات باعتبارات عدة: فمن جهة النشوء و التكوين نجد ثلاثة أنواع من المجتمعات وهي:

1- مجتمعات مستقرة مقصودة، كالجامعة، و المدرسة، و الفصل، و الجمعية، والمؤسسة، و النقابة، و الحزب.

فهذه الأنواع تكونت بصورة مقصودة مدبرة مستقرة .

2- مجتمعات غير مستقرة و غير مقصودة، كالنـاس يجتمعون عرضا في الطريق لمشاهدة حادث أو في ملعب لمشاهدة مباراة؛ فهذه الأنواع سرعان ما تتفكك بعد انتهاء الحادث.

3- مجتمعات مستقرة تلقائية، وذلك كمجتمع الأمة والمدينة و القرية ؛ فهذه مجتمعات مستقرة تكونت في صورة تلقائية لا في صورة مقصودة ، كما تتكون الجمعية والحزب ، وهي أهم أنواع المجتمعات ، و هي التي توجد فيها أكثر الظواهر الاجتماعية التي تتمثل في شرائع و نظم و تقاليد تتعلق بشؤون السياسة والاقتصادي والقضاء و الدين والأخلاق و الأسرة و اللغة و التربية و غير ذلك[6].

إذا نظرنا إلى أنواع المجتمعات المستقرة التلقائية من ناحية أفرادها ، رأينا أن منها ما يبلغ عدد أفرادها الملايين كمجتمع الأمة الكبيرة و المدينة الواسعة، و منها ما يبلغ مئات الآلاف ، أو عشرات الآلاف كمجتمع الأمة الصغيرة و المدينة الضيقة ، و منها ما يبلغ الآلاف أو المئات كمجتمع القرية أو القبيلة أو العشيرة، كما أن منها ما لا يتجاوز بعضة أفراد كمجتمع الأسـرة في نطاقها الضيـق الذي يتألف من الزوج و زوجه و أولادهما الصغار المقيمين معهما في المنزل الواحد.

كما أننا إذا نظرنا إلى المجتمع من ناحية مدة بقائه ، رأينـا أن منه ما يكتب له دوام البقاء أو طول البقاء كالمجتمع الإسلامي و المجتمع العربي و الإفريقي ، و مجتمع الأمة والمدينة و القرية ، كما أن من المجتمعات ما لا يبقي إلا سنين معدودة كمجتمع الأسرة في مدلولها الضيق ، و منها ما هو وسط بين هذا و ذاك .

وإذا نظرنا إلى المجتمعات المستقرة التلقائية نظرة أخرى، من حيث البساطة والتعقيد، رأيناها تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول : يتمثل في مجتمعات بسيطة التركيب ساذجة التكوين لا تكاد تتميز فيها الوظائف ، و لا تتنوع بين أفرادها الأعمال ، كالمجتمعات البدائية في أبسط مظاهرها .

القسم الثاني : يتمثل في مجتمعات معقدة التكوين متميزة الوظائف موزعة الأعمال ، كالأمم المتحضرة الحديثة ؛ ففي كل أمة من هذه الأمم تتميز الأعمال الاجتماعية بعضها عن بعض، و يشرف على كل وظيفة منها جهاز أو أجهزة خاصة[7].

ويمكن النظر إلى المجتمعات المستقرة التلقائية من حيث التفاعل اليومي أو الانتماء أو وجود الرباط القدسي ، فنجد ثلاثة أنواع أخرى و هي :

1- المجتمع المحلي ( Communauté locale ): أو المجتمع الصغير، و هو ذلك الذي يعيش فيه الإنسان و يتفاعل كل يوم و كل لحظة، و الذي يمارس فيه شؤون حياته.

2- المجتمع الكبير (Société ): و هو الذي ينتمي إليه الإنسـان جغرافيا و تاريخيا ووجدانيا.

3- المجتمع الأكبر أو الأمة ( Nation ): مثل مجتمع المسلمين جميعا، حيث ارتبط بهم الفرد المسلم برباط قدسي متين، و هو رباط العقيدة؛ فهو يشعر بهم، و يفرح بفرحهم و يتألم لآلامهم[8].

و نحن في بحثنا هذا نقصد تنمية المجتمعات المستقرة التلقائيـة ، و ذلك بإبراز دور المرأة المسلمة فيها حيثما وجدت ، و لا يهمنا كثيـرا أن يكون المجتمع الذي توجد فيه المرأة المسلمة مجتمعا بدائيا أو متحضرا ، بل المراد من المرأة المسلمة السعي و العمل والبذل و العطاء من أجل تنمية مجتمعها والنهوض به إن كان بدائيا، و المشاركة الفعالة في جميع أنواع الأعمال الخيرية الاجتماعية إن كان مجتمعها متحضرا.

ولا شك في أهمية العمل و النهوض بجميع هذه الأنواع كلها من المجتمعات المستقرة التلقائية و جعلها ترتقي بأهلها و سكانها، إلا أن هذه التنمية تأخذ منهج التدرج؛ فتنمية المجتمع الصغير أولا، ثم المجتمع الكبير، ثم الأكبر. و ينبغي أن تشارك المرأة المسلمة في جميع أنواع التنمية في المجتمعات التي تعيش فيها والتي تتفاعل معها أو التي تنتمي إليها ، و أخيرا مجتمع المسلمين جميعا . فالمسلمة مأمورة بفعل الخيرات حيث حلت ، و لا تفسد في الأرض بعد إصلاحها ؛ فالإنسان رجلا كان أو امرأة مأمور بتعمير الأرض و أن يكون خليفة الله فيها سواء كان في مجتمعه الصغير أو الكبير أو الأكبر ، أو كان في خارج دائرة مجتمعه ، فلا يكـون مصلحا في مجتمعه و مفسـدا في مجتمع غيره، فالإنسانية تجمع الناس جميعا ، و التكريم الإلهي يشمل الناس جميعا من بني آدم.

لكن مشاركة المرأة المسلمة في تنمية مجتمعها تأخذ سلم الأولويات أيضا ، و تتكيف في الأعمال التي لا تصطدم مع خلقتها و رقتها و أنوثتها و تتناغم مع طبيعتها الخُلقية والخَلقية ، و لكن لا يعني ذلك حبسها داخل الجدران الأربعة مدى الحياة بدعوى عدم قدرتها على المشاركة المباشرة في تنمية المجتمع .

ثانيا : ضرورة الحياة الاجتماعية :

إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبّر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنيـة في اصطلاحهم و هو العمران ، و بيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان و ركبه على صورة لا يصح حياتها و بقاؤها إلا بالغذاء و هداه إلى التماسه بفطرته ، و بما ركب فيه من القدرة على تحصيله ، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه. و لو فرضنا منه أقبل ما يمكن فرضه و هو قوت يوم من الحنطة، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن و العجن و الطبخ ، و كل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين و آلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد و نجار و هب أنه يأكله حبا من غير علاج فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبـا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد و الدرس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل ، و يحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة و صنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير ، و يستحيل أن يفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد ، فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف.

و كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه ، لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم أكمل من حظ الإنسان ، لكن جعل للإنسان عوضا من ذلك كله الفكر و اليد ؛ فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر[9].

فظاهرة التجمع ظاهرة ثابتة و ضرورية لحياة الإنسان ، حيث يرتبط فيه الفرد بغيره عن طريق علاقات متعددة في الجانب الأسري ، أو القبلي ، أو القومي ، أو غير ذلك . والتجمع في ذاته تشيع بين الأحياء من المخلوقات، و لكنها في الإنسان تأخذ شكلا خاصا أكثر انضباطا وتنظيما من غيره وأعظم سموا وتفاعلا في التأثير والتأثر. ويكاد الإنسان ينفرد باستحداث الوسائل الصناعية للحياة، و اكتسـاب العلوم و المعارف، و استخدام نتائج التجارب و الثقافات[10].

فالفرد لا يستطيع أن يستغني عن المجتمع لكي يعيش، و لا يمكن تصور مجتمع بدون أفراد، فالأسرة مجتمع من أفراد ، و كذلك الحي و المدينة والدولة ، بل و الإنسانية كلها مكونة من أفراد أو جماعات ، بينها علاقات متبادلـة ، بل المجتمع في حاجة إلى أفراد في تفاعلهم معه . و المجتمع يعول أفراده و يربيهم و يأخذ بأيديهم ، و بذلك يستمر في الوجود، و نظرا لذلك ، فالفرد في حاجة ماسة إلى الحياة وسط أفراد المجتمع رجالا ونساء تنشأ بينهم علاقات ثقافية واقتصادية واجتماعية، ويتعاونون و يتبادلون المنفعة، و يجد الفرد في الاجتماع بالناس و التحدث إليهم ما يسعده و ما يجعله يحس بوجوده ؛ فالإنسان يتزاور مع أصدقائه و أهله ، و يشترك في النوادي و يسهم بمجهوده و ماله في الأعمال الاجتماعية و أنواع الأنشطة المختلفة[11].

و من الأسباب الداعية إلى ضرورة الحياة الاجتماعية ما يلي :

1- قانون الزوجية الطبيعية العام المتمثل في التركيب الغريزي للمرأة و الرجل، فهما عنصرا البناء الاجتماعي و أساس البنية الحيوية من الناحيتين العضوية و النفسية ؛ فهذه العلاقة الغريزية التي تسعى غائيا لحفظ النوع و تدفع بالجنس بدافع اللذة و المتعة ، تقوم في جانبها النفسي و الإنساني على أساس الود و الرحمة و توفير الطمأنينة أو السكن ، لذا اعتبر القرآن المرأة قاعدة السكن عبر الاستقرار النفسي و الاجتماعي للرجل والحياة الاجتماعية بأسرها، ذلك لأن الإشباع النفسي من حب الجنس الآخر والغريزي والجسدي منه ينتج عنه إفراغ حالة التوتر النفسي و العصبي و ملء الفراغ النفسي و تصريف الطاقة الغريزية والنفسية لتحقيق مبدأ الاتزان لدى الجنسين القائم على أساس التكامل من خلال قانون الزوجية الكوني العام.

و من هنا تتحد أبرز مسؤولية المرأة في بناء المجتمع السوي السليم نفسيا و اجتماعيا ووظيفيا ، لأنها مصدر السكن و الود و الحنان و الرحمة في الحياة الاجتماعية[12] .

ويعلق الشيخ الطاهر ابن عاشور على قوله تعالى:" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"[13] بأن "هذه الآية فيها عظة و تذكير بنظام الناس العام ، و هو نظام الازدواج و كينونة العائلة وأساس التناسل، و هو نظام عجيب جعله الله مرتكزا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذوذ و جعل أزواج الإنسان من صنفه و لم يجعله من صنف آخر ، لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالف و جعل في ذلك التزاوج أنسا بين الزوجين و لم يجعله تزاوجا عنيفا أو مهلكا و جعل بين كل زوجين مودة و محبة فهذه الآية كائنة في خلق جوهر الصنفين من الإنسان : صنف الذكر و صنف الأنثى ، و إيداع نظام الإقـبال بينهما في جبلتهما "[14].

بل إن قانون الازدواج يتعدى الكائنات الحية ليشمل الجمادات، كالكهرباء ، فإننا رأينا أنها تتكون من موجب وسالب، فالشحنات المتشابهة في النوع تتنافر، والشحنات المختلفة في النوع تتجاذب[15] .

"كما نجد قانون الازدواج في دورة الحياة اليومية، من الليل والنهار. يقول الله سبحانه و تعالى : " و الليل إذا يغشى و النهار إذا تجلى و ما خلق الذكر و الأنثى "[16]. فكما خلق الليل و النهار خلق الذكر و الأنثى ، و كما يتقابل الليل و النهار يتقابل الذكر و الأنثى ، وكما أن الحياة لا تتم إلا بليل و نهار فلا بد من ذكورة و أنوثة ، " و من كـل شيء خلقنا زوجين "[17].

فالمرأة ليست ضد الرجل و لا خصما، و ليست هي نفس الرجل، لذلك قال تعالى: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض"[18]. أي أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة، و لا يستغني الرجل عن المرأة ولا تستغني المرأة عن الرجل، و لا يصح أن تجعل المرأة نفسها عدوا للرجل ولا خصما ولا منافسا للرجل، بل هي تكمل الرجل[19].

2- قانون التعارف: فعنصر التعارف هو الدافع الثاني الذي دفع الإنسان لتكوين الحياة الاجتماعية بين أبناء النوع البشري القائم على أساس غريزة حب الاجتماع التي عبّر عنها الفلاسفة بقولهم: " الإنسان مدني بالطبع " كما أسلفنا.

فقد أثبتت التجارب النفسية و الاجتماعية أن الإنسان لا يشعر بالاستقرار و الراحة ، ولا تكتمل إنسانيته إلا بالاجتماع ، و بالعيـش مع الآخرين ؛ فهو يشعر بحاجة نفسية عميقة إلى الآخرين ، قال تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "[20].

3- قانون تبادل المنافع : فقد شاء الله سبحانه أن يتكامل الأفراد ذكورا و إناثا بقابلياتهم وطاقاتهم الفكرية والجسدية والنفسية عن طريق تبادل المنافع المادية والمعنوية بين الأفراد؛ فللذكر حاجات و متطلبات متعددة ليس بوسعه أن يوفرها جميعا لنفسه، فهو يحتاج إلى الآخرين و يحتاجون إليه ، و هذا الاختلاف في القابليات ينتج عنه الاختلاف في نوع الإنتاج و الخدمات التي يستطيع أن يوفرها الفرد للآخرين ، وتبادل تلك المنافع و الخدمات لإشباع الحاجات[21] عبّر عنه القرآن الكريم بقولـه : " و رفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا "[22].

يقول الطاهر ابن عاشور معلقا على هذه الآية الكريمة:" لما قسمنا بين الناس معيشتهم فكانوا مسيرين في أمورهم على نحو ما هيأنا لهم من نظام الحياة ، و كان تدبير ذلك لله تعالى ببالغ حكمته ، فجعل منهم أقوياء و ضعفاء ، و أغنياء و محاويج فقراء فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة ، و ربع بذلك بعضهم فوق بعض ، و جعل بعضهم محتاجا إلى بعض و مسخرا له "[23].

فالحاجة إلى الآخرين إذن هي الدافع الأساسي لدخول الفرد في تجمع الأفراد و تكوين البنية الاجتماعية ليدخلوا في عملية تبادل المنافع، فيوفر الفرد ذكرا كان أو أنثى من خلال ذلك حاجته الفردية و ليساهم في تكامل الحياة البشرية.

و يبرز دور المرأة واضحا و أساسيا في كل هذه العناصر أو القوانيـن ، سواء في جانبه المادي أو النفسي أو الوظيفي في الحيـاة الاجتماعيـة ؛ فهي الجزء الأكبر من المجتمع ، فينبغي إذن أن يدرس دور المرأة في بناء المجتمع و تنميتـه كما يدرس دور الرجل على حد سواء ضمن أطر الأهداف و القيم الإسلامية ، في المجتمعات الإسلامية لأن لكل مجتمع ثقافته و نظمه و عاداته و تقاليده[24].

 

المبحث الثاني : المقصود بتنمية المجتمع و متطلباتها

أولا : المقصود بتنمية المجتمع :

قبل الشروع في بيان المقصود الاصطلاحي بتنمية المجتمع، نبدأ بتعريف التنمية لغة، ثم نعرف التنمية اصطلاحا، و بعد ذلك نعرف التنمية مضافة إلى المجتمع، وننهي بربط المفاهيم و التعاريف لنرى نقاط الاتصال و الاتفاق بينها ، و نذكر بعض خصائص تنمية المجتمع و شيئا من جوانبها .

التنمية لغة : مشتقة من الفعل " نمى " ينمي نميا و نماء : زاد و كثر، و أنميت الشيء و نمّيته: جعلته ناميا[25]، أي جعلته زائدا و كثيرا. و التنمية بالفرنسية يطلق على مصطلح "Développement" من الفعل "Développer"، و من معانيه يبسط و ينشر وينمي ويطور[26].

والتنمية اصطلاحا" تغيير اجتماعي إرادي ومقصود للانتقال بالمجتمع من الحال الذي هو عليه فعلا، إلى الحال الذي ينبغي أن يكون عليه أملا"[27]. أو هي " التغيير الاجتماعي الذي تقوم من خلاله أفكار جديدة في النسق الاجتماعي[28] بهدف تطوير و تحسين أحوال الناس ، و توفير الخير الاجتماعي لهم "[29].

وعرّف عاطف غيث التنميـة بأنها " التحرك العلمي المخطط لمجموعة من العمليات الاجتماعية و الاقتصادية، تتم من خلال إيديولوجية[30] معينة، لتحقيق التغيير المستهدف، من أجل الانتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب الوصول إليها "[31].

و أما محمد شفيق ، فيشيـر إلى أن المفهوم العام للتنميـة هو أنه " عمليات مخططة وموجهة في مجالات متعددة تحدث تغييرا في المجتمع لتحسين ظروفه و ظروف أفراده، من خلال مواجهة مشكلات المجتمع وإزالة العقبات وتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات و الطاقات ، و بما يحقق التقدم و النمو للمجتمع و الرفاهية و السعادة للأفراد"[32].

فالتنمية إذن هي " العملية المرسومة لتقدم المجتمع بكل أبعـاده - اقتصادية كانت أم اجتماعية أم ثقافية أم سياسية و التي تعتمد أكبر اعتماد ممكن على مشاركة المجتمع ومبادأته"[33].

و عرّف الدكتور قيس المؤمن مع آخرين التنمية بأنها " تلك العملية المتعددة الأبعاد التي تتضمن إجراء تغييرات جذرية في الهياكل الاجتماعية السلوكيـة و الثقافية و النظم السياسيـة و الإدارية ، جنبا إلى جنب مع زيادة معدلات النمو الاقتصـادي[34] ، و تحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي[35] ، و استئصال جذور الفقر المطلق في مجتمع ما "[36].

و تعريف آخر، التنمية هي " التغيير المقصود الموجه و المخطط باتجاه ضمان البقاء وتحقيق الاستمرارية و الرفاهية و النمو للمجتمع "[37].

و يفرق بعض العلماء مفهوم التنمية عن مفهوم النمو و عن مفهوم التغير ، بأن التغير لا يؤدي بالضرورة إلى التقدم و الارتقاء في المجتمع ، كما هو الحال في حالة الحرب
الذي يؤدي إلى تغيير أوجه الحياة في المجتمع و لكن إلى الأسوأ . أما النمو فيختلف عن مفهوم التنميـة ، لأنه قد يحدث بصورة تلقائيـة دون التدخل المتعمد من قبل المجتمع ، والتنمية يقصد بها التدخل المقصود لتحقيق النمو بصورة سريعة الخطى في حدود فترة زمنية معينة تحددها خطط التنمية[38].

و يقول الدكتور صالح المحمد الشعبي : " النمو الاقتصادي لا يعني التنميـة ؛ فالنمو يعني زيادة في الإنتاج ، أما التنمية فهي تعني علاوة على زيادة الإنتاج تغييرات في تركيبات المؤسسات الاقتصادية و الاجتماعية "[39].

بعد هذه التعاريف الاصطلاحية للتنمية ، تتبين لنا اتجاهات و زوايا عديدة ، حيث نجد من نظر إلى الزاوية الاجتماعية ، فعرّف التنمية بناء على هذه الزاوية ، و من اتجه إلى الزاوية الاقتصادية، و من جنح إلى الزاوية الإدارية أو السياسية و الثقافية، إلا أن القاسم المشترك بين التعاريف هو هدف الجميع إلى تنمية المجتمع بتنميـة أفراده في جميع هذه الأبعاد و الزوايا ، و ليست تنمية الأفراد فحسب ، بل تنمية مؤسسـات المجتمع وتنمية الدولة ذاتها ، إلا أن التنمية البشرية هي نقطة الانطلاق إلى تنمية شاملة ، و الإنسان هو محور التنمية الشاملـة ، لأن التنمية عملية مجتمعية شاملة ومتكاملة وحيوية ومترابطة. ولأن التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية مترابطة مع بعضها البعض في المجتمع ، و على وفق ذلك ، فإن التغييـر الاقتصادي يؤدي إلى تغيير اجتماعي ، وتعتمد هذه التغيرات على عوامل سياسية و تستخدم التنمية الإداريـة كوسيلة لبناء الأجهزة التي تتولى تنفيذ عمليات التنمية من خلال تخطيط و تنظيم وتوجيه و رقابة التنمية في المجتمع فهي عملية ديناميكية[40] تتكون من سلسلة من التغيرات الهيكلية والوظيفية و الأدائية في المجتمع ، و تحدث هذه التغيرات نتيجة لتفاعل مكونات المجتمع (الأفراد، المؤسسات، الدولة) بكفاءة في فاعلية و توجيه الموارد المتاحة و استغلالها إلى حدها الأقصى و بشكل أمثل[41].

بعد الوقوف على المفهوم الاصطلاحي للتنمية ، نحاول فهم المراد بتنمية المجتمع ؛ فتنمية المجتمع مركب إضافي يقصد بها في النطاق الدولي " العمليات التي توحد فيها الجهود الشعبية مع السلطات الحكومية تحسينا للأحوال الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمعات ، و تحقيقا لتكافؤ هذه المجتمعات في إطار حياة الأمة ، و تمكينا لها من الإسهام الكامل في التقدم القومي "[42].

بعد التعريف اللغوي ، و الاصطلاحي ، و الإضافي ، نصل إلى ربط التعاريف لنرى نقاط الاتصال و الاتفاق فيما بينهـا ؛ فنجد أن عنصر الزيادة و الكثرة و الإكثار الواردة في تعريف التنميـة لغـة موجود في التعريف الاصطلاحي و الإضافـي ، لكن حسب التخصصات و الميول . فلا شك في أن ازدهار المجتمع و تقدمه من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب فيها يعتبـر زيادة و إكثارا و رفاهيـة للفرد ، و سعادة و تقدما للفرد و للمؤسسات و للدولة . كما نجد تعريفا أضاف التنمية إلى المجتمع ، و تعاريف أخـرى أطلقت لفظ التنميـة و لم تضفهـا إلى المجتمع ، لكن بما أن التنمية لا يتصور وجودها دون أفراد ومؤسسات داخل المجتمع، فإننا نجد لفظ المجتمع يرد في بعض هذه التعاريف بالنص عليه أو بالإشارة ، لأن أغلب المفكرين و المتخصصين اتفقوا - رغم كون مفهوم التنمية أو تنمية المجتمع مفهوما واسعا و مطاطا- على أن التنمية هي الأداة أو الوسيلة التي تتمكن بها المجتمعات من أن تواجه عوامل تخلفها وتحقيق عوامل تقدمها و رفعتها[43].

انطلاقا مما سبق، يمكن استنباط بعض خصائص تنمية المجتمع، نذكر منها ما يلي:

1- إن التنمية عملية شاملة ذات أبعاد متعددة تشمل مجمل أطر المجتمع، وتتعامل مع المجتمع باعتباره نظاما كاملا ، و تغطي مجمل فعاليات و نشاطات و موارد المجتمع ، وتتناول بالتغيير جميع الأطر الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية والإدارية ، و بالتالي فإنها تمثل إستراتيجية مركزية عامة ، و عملية حضارية متداخلة و لا تقتصر على جانب واحد من جوانب المجتمع .

2- إن التنمية عملية مستمرة تتطلب فترة طويلة من الزمن لتحقيقهـا خاصة في حالة اتساع نطاقها و شمولها لمواكبة حركة التغير المستمرة ؛ فتنمية الإنسان الذي يقوم بدور التنمية في المجتمع عملية معقدة ، و إقناع هذا الإنسان على ضرورة اتباع منهج معين وسلوك معين يأخذ فترة زمنية لا يمكن وصفها بالقصير ، كما أن إقنـاع أفراد المجتمع بحتمية مشاركة جميع مكونات المجتمع في التنمية بما في ذلك رجالُهم و نساؤهم - القادرين ليس من الأمور السهلة ، سواء كانت هذه المشاركة مباشرة أو غير مباشرة ، بالكف عما يعوق دون حدوث التنمية في المجتمع أو غير ذلك[44].

3- إن التنمية عملية مخططة، و تأتي حتمية تخطيط التنمية بناء على أن الهدف منها هو تحقيق حياة أفضل للمواطنين، و لا يمكن أن يتحقق ذلك بشكل عشوائي أو تلقائي؛ لذلك لا بد من استخدام التخطيط أسلوبا علميا منظما لتحقيقهـا. و يتضمن هذا التخطيط وضع الأهداف و السياسات المطلوب الوصول إليها و تطوير و تنمية الطرق و الوسائل المؤدية إلى تحقيق ذلك ؛ فالتنميـة إذن عملية مخططة لكونها تؤدي إلى استخدام الموارد البشرية و المالية و المادية بأكفأ صورة ممكنة و بطريقة إنسانيـة تستهدف سد احتياجات المجتمع، و على ذلك فإن حاجات ومتطلبات التنمية لا يمكن تركها لاعتبارات الصدفة و التنفيذ العشوائي .

4- إن التنمية تهدف إلى تحقيق الرفاهية ، لأنها بإطارها الواسع تسعى لإحداث النمو والتطور في المجتمع بصورة تقود إلى رفع مستوى المعيشة، و تستهدف تحقيق الرفاهية في المجتمع باعتبار أن التنمية يستفيد منها جميع أفراد المجتمع من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية ، و بالتالي الرفاهية ، لأنه بدون العدالة تكثر النزاعات و تعظم سيطرة طبقة على أخرى أو جنس على آخر ، و هو الظلم الواجب رفعه عن المجتمع من أجل تنمية شاملة .

5- إن التنمية عملية استثماريـة ، و يعني الاستثمار بمفهومه الواسع الشامل لأطر الاستثمار المادي والبشري، تحتاج إلى إنفاق مبالغ طائلة، لكونها تتطلب التوسع المخطط في مختلف النشاطـات في المجتمع ، و في استخدام و تطوير وسائل الأداء و الإنتاج المادية و البشرية ؛ فالفرد سواء كان رجلا أو امرأة ، ينمي شخصيته في مشاركته في تنمية المجتمع .

6- إن التنمية مسؤولية إداريـة ، لأن عملية التنمية تعتمد أساسـا على كفاءة الجهاز الإداري للدولة ، و تبرز أهميـة ذلك من خلال الدور الريـادي الذي يجب أن تقوم به الإدارات لتحقيق التنمية الشاملة ، ذلك لأن الدولة تقوم بالعبء الأكبر المؤثر في التنمية. و لا يعني ذلك الانسحاب من عملية التنمية و تركها للدولة، بل تتكامل جهود الدولة مع جهود الأفراد غير الرسميين، كما تتكامل جهود الرجال مع جهود النساء.

7- إن التنمية جذّابة، و جاذبيتها ناتجة عن النتائـج التي ستحققها للمجتمع من حيث تحسين الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الإدارية و السياسية و التكنولوجية بشكل عام، و تحقيق الكفاءة العالية في سد المطالب الاستهلاكية، و التخفيف من التبعية الاقتصادية و السياسية، وبالتالي التمتع بمجالات الحياة المختلفة بحرية. كل هذه وغيرها تشكل عوامل إغراء و جاذبية في تبني و تنفيذ عملية التنمية[45].

بعد بيـان هذه الخصائص التي تحتـاج إلى جهود جبّارة مباركة ، و تضحية بالغالي والنفيس من أجل تنمية مجتمعاتنا الإفريقية بصفة خاصة، و الإسلامية بصفة عامة، فإني أستطيع أن أقول إنه يتحتم على حكّام الدول النامية و الدول الإسلامية أن يعملوا من أجل كسر هذه الحواجز المحكّمة بينهم و بين شعوبهم ، و أن يعيشوا مع شعوبهـم في خندق واحد ، و أن يقتربوا إلى قلوب شعوبهم ليقوموا جميعا بالتنمية الشاملـة المترابطة التي فيها سعادتهم، و أن يقفوا مع شعوبهـم في صف واحد و اتجاه واحد لمجابهة التحديات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و العسكرية و الاجتماعية و التكنولوجية المعاصرة .

إن الشعوب الإفريقية و الإسلامية تستورد كل شيء من غيرهم ؛ إننا نستورد النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الإدارية، ثم نطبقهـا على شعوبنا في أسوأ تطبيق، دون غربلة أو تنقية أو فحص نظري أو تطبيقي ، نطبقها دون تحليل علمي و معملي ، نطبقها دون مقارنة بين النتائـج و الاستخلاص بالصالح منها و رمي الطالح . و أسوأ من ذلك كله، ألا ندرك أننا نطبق خطأ، و البقاء طول الحياة على غير الصالح و إبقاء غير المفيد لشعوبنا ودولنا الإفريقية والإسلامية. فإلى متى نظل أسرى التبعية الاقتصادية و الثقافية و السياسية و الاجتماعية لأقوام بنو سياستهم تجاه غيرهم على قاعدة " يزداد الغني غنى و يزداد الفقير فقرا" ! إن العالم الأمريكي اللاتيني رودني والتز أورد سياسة الغرب الاقتصادية في كتابه " أوروبا والتخلف في إفريقيا " حيث ذكر نصا للإنجيل وهو " كل من لديه سنزيده حتى يصبح لديه وفرا ، وسنأخذ ممن يفتقرون حتى الذي بين أيديهم "[46] ، ثم قال : و قال الاقتصادي البورجوازي[47] : إن  قصة " ممن يفتقرون " هي البلدان المتخلفة المعاصرة "[48].

إن سياسة الإفقـار للدول الناميـة لم تعد مجرد سياسـة، بل إيمان القوم و اقتناعهم الكامل المطلق بضرورة سيطرتهم على مصالح العالم، ولتكن بعد ذلك ألفا داهية وداهية.

إن سياسة الإفقـار هذه، لا يمكن أن يختلف حولها شخصـان، و إن البنك الدولي (Banque mondiale)، وصندوق النقد الدولي (Fond monétaire international) أكبر دليل على هذه السياسـة بنظام الفوائـد و الديون التي أثقلت كاهل الدول النامية، و جعلتها أفقر الشعوب و قارتنا أفقر القارات.

و بهذا نصل إلى الجزئية الأخير المتعلقة بتنمية المجتمع ، و هي جوانب هذه التنمية، و نجد هذه الجوانب واردة في تعاريف التنمية ، و لكننا سنذكر بعضها بناء على وجود علاقة كبيرة بهذا البحث ، و هي :

1- جانب التنمية الثقافية الفكرية (Coté du développement culturel)

  : و أبدأ بالثقافة و الفكر، لأن النهوض بالمجتمع يبدأ بتعليم أفراده، و تحسين المستوى الفكري للجماعات البشرية ، من خلال تعميم التعليم للجميع رجالا و نساء ، و محاربة الأميـة، خاصة في أوساط النساء و المستضعفين ، و النهوض بالفنـون و وسائل الإعلام و التواصل[49] ، وتشجيع الجميع دون تمييز بين البنين و البنات في المجتمع الواحد . تلك التنمية الفكرية والثقافية التي تجعل الرجل المسلـم و المرأة المسلمة من الذين يقرأون دوما و يتثقفون ويطلعون ويتابعون كل ما يجري في مجتمعهم، بل و في غيره من المجتمعات، من إنتاج ثقافي وفكري في كل مجال يخدم الإسلام و المسلمين. و أكثر من ذلك ، أن يتابعوا ما يجري بيـن الدول و المجتمعـات الأخرى من حوادث و أخبار ، و يكفي أن القرآن الكريم قد وجه جميع المسلمين والمسلمات[50] هذه الوجهة حيث أخبرهم عن الحروب التي كانت قائمة بين الفرس و الروم ، بل و أخبرهم بما سوف يقع بعد ذلك[51].

2- جانب التنمية الاجتماعية(Coté du développement social)

: ويقصد بها الإجراءات المتخذة لتحديث و تطويـر المجموعات البشرية بهدف تحقيق ، و ضمان الاستقرار الاجتماعي الذي يحقق أفضل و أحسن مستويات التنمية[52] ، و يكون ذلك بتنمية أفراد المجتمع اجتماعيا ، بضرورة مشاركة الجميع في الأنشطة الاجتماعية والأعمال الخيرية للنهوض بالمجتمع، ونشر التعاون على البر والتقوى، وشعور الجميـع بالروح الجماعية المشتركة، لأن العمل الجماعي فريضة شرعية و ضرورة بشرية و سنة كونية، فيشارك فيه جميع أبناء المجتمع من الرجال و النساء .

و هذا الجانب الاجتماعي يجعل الإنسان المسلم الرجل و المرأة يحس بالمجتمع كله من حوله ، و كأنه أسرة واحدة ، بل كأنه جسد واحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى[53].

3- جانب التنمية السياسية (Coté du développement politique)

: بتحسين قدرات أفراد المجتمع على المشاركة في العملية السياسية، بمشاركة الجميع على صنع القرارات السياسية وتوجيه مسيرتهم السياسيـة القائمة على تعاليـم الإسـلام دون تحكم طبقة أو استبداد جنس على آخر، لأن نظام المسلمين يقوم على مرتكزات الحكومة الإسلامية من الشـورى والعدل والطاعة و التوزيـع العادل للثروة وغيرها. يقول الله سبحانه وتعالى آمرا نبيه عليه الصلاة و السلام : " و شاورهم في الأمر "[54]، " و أمرهم شورى بينهم "[55].

و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يشاور أصحابه و يأخذ بآرائهم ، كما حدث في غزوة بدر الكبرى حيث أشار عليه الحباب بن المنذر ، كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة أم سلمة رضي الله عنها حيث أشارت على الرسول صلى الله عليه و سلم يوم صلح الحديبية ، بعدما ثقل على الصحابة تنفيذ أمر الرسول لهم بالنحر و العودة إلى المدينة بناء على الصلح ، فلما لم يقع منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت : يا رسول الله ، أتحب ذلك ؟! اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك و تدعو حالقك فيحلقك ، فقام و خرج و نحر بدنه و دعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم يحلق بعضا[56].

وكانت أم سلمة موافقة للصواب، و كانت حكيمة في مشورتها هذه، حيث حلّت مشكلة عويصة خطيرة كـادت أن تمزق المجتمع الإسـلامي في عهد مبكر ، لو أن الصحابة عصوا أمر الرسول صلى الله عليه و سلم ، بل انطلقت الدعوة الإسلامية تنتشر في كل مكان بسبب الصلاح و تفرغ المسلمين - و على رأسهم الرسول للدعوة والعلم والفقه في دين الله ، فلم تر أم سلمة هذه القضية قضية بين الرجال و لا مكانة فيها للنساء، كما لم ترها قضية سياسية لا رأي للنساء فيها ، بل أبدت رأيها لإيجاد حلول سليمة رابحة ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل مقولة " شاوروهن و خالفوهن"[57].

4- جانب التنمية الاقتصادية (Coté du développement économique)

: و هذه التنمية "هي التي تربي الإنسان على حب العمل و الإنتاج لنفسه و للمجتمع من حوله ، لا يحفزه للعمل و إتقانه إلا ضميره الذي رباه فيه الإسلام ، فهو يعمل إرضاء لله الذي طلب منه ذلك، وأحب أن يتضمنه كل عمل يعمله، و على ذلك فليست هذه اللوائح أو القوانين هي التي تسيره، كما أنه ليست العقوبات أو الجزاءات هي التي تدفعه للعمل ، أو تخيفه من العقوبة و تردعه ؛ فهي تنمية اقتصادية تعرف قيمة العمل وتضعه في مكانه الصحيح ، وذلك منذ نبه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أنه لا ينبغي أن يكـون بين المسلمين سائل أو محتاج[58] ، طالما هم قادرون على بذل الجهد و العرق ، و طالما فيهـم عرق ينبض بالحركة والعطاء"[59] ، تنمية تعمل من أجل استقلالية المجتمع اقتصاديـا ، و نشر الوعي بالسلوك الاستهلاكي المتوازن، بعيدا عن الإسراف و الإفساد .

5- جانب التنمية الإداريـة (Coté du développement administratif)

: و هي تنمية تكوّن قيادات وكوادر ذوي كفاءات عالية، و مهارات عديدة، وخبرات و تجارب واسعة، من كلا الجنسين ، للقيام بتنمية المجتمع و تنمية نظم الإدارة و الدولة ، و الإشراف على مرافقها وإرساء قواعد للمحاسبة ، محاسبـة الولاة و المسؤوليـن ، بالقضاء على جميع أشكال الفساد الإداري المالي و المعنوي . و قد ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدوة حسنة في الإدارة و الإشراف ، حيث كان حاسما مع عماله و ولاته و أمرائه .

6-جانب التنمية الخلقية الروحية(Coté du développement de l’éthique et de la morale)

: و ذلك بتربية أفراد المجتمع على الأخلاق الفاضلة و الخصال النبيلة الشريفة ، و لا يخفى دور المرأة المسلمة في هذا الجانب ، حيث يظهر بجلاء في تربية أطفالها منذ نعومة أظفارهم إلى مرحلة الرشد و النضج و ما بعد ذلك . كما يظهر هذا الدور في المشاركة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . يقول الله تعالى: " و المؤمنون والمؤمنـات بعضهم أوليـاء بعض يأمرون بالمعروف و ينهـون عن المنكر و يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و يطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم"[60].

و يقول الدكتور يوسف القرضاوي : " و تطبيقا لهذا المبدأ ، وجدنا امرأة في المسجد ترد على أمير المؤمنين عمر الفاروق و هو يتحدث فوق المنبر على ملأ من الناس ، فيرجع عن رأيه إلى رأيها و يقول بصراحة : أصابت امرأة و أخطأ عمر "[61].

أين هذا الموقف من عمر رضي الله عنه، من الذين جعلوا مجرد صورة المرأة عورة و حرام عليها الجهر بصوتها في حضرة الرجال !

إن الجانب الخلقي و الروحي من أهم جوانب تنمية المجتمع ، و الذي يلـزم مشاركة المرأة بشكل فعّال بنّاء جادّ ، للنهوض بالمجتمع و تنميته خلقيا و سلوكيا ، بمحاربة فساد الفاسدين و الفاسدات، و انحلال المنحلّين و المنحلات، و تفسخ المتفسخين و المتفسخات، فهؤلاء تجّار العرض و الشرف ، و طلاب الشهوات و الرغبات الرخيصة، على حساب المجتمع والإنسانية. إن عمل هؤلاء تدمير للسلوك والخصال الحميدة، فالأمن والاستقرار و الازدهار الحقيقي و السعادة الحقيقية لا يحصل وسط هذا الفساد و الانحلال و التفسخ، و لا تتحقق تنمية حقيقية و حضارة راشدة للمجتمع .

إن الجانب الروحي يسمو بالإنسان إلى مراتب عليا يبتعد به عن مجرد كونه إنسانا يأكل و يشرب و له مطالب جسدية أخرى، و إنما يسمو بروحه لتتخطى حدود هذه الدنيا طمعا في آخرة ذات جنان عرضها السموات و الأرض[62].

ثانيا: متطلبات تنمية المجتمع:

النقطة الثانية : مشاركة الجماهير :

إن تنمية المجتمع تتطلب كذلك جعل الجماهير تعيش في ظروف اجتماعية و ثقافية واقتصادية و سياسية تيسر لها الشعور بالانتماء إلى المجتمع الذي تعيش فيه ، و جعلها تعتبر أن هذا المجتمع هو جماعتها المرجعية التي تسعد لسعادتها و تشقى لشقائها وتدافع عنها[71].

 فإحساس أفراد المجتمع بهذا الشعور العميق المنبعث من قلوبهم ووجدانهم سيدفعهم إلى العمل والمساهمة في تنمية مجتمعهم اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وخلقيا وإداريا، و غير ذلك، لأنهم يصبحون في حالة لا يرون أنفسهم إلا أجراء في هذا المجتمع ولبنات تكمل بعضها بعضا في البنـاء المتكامـل ، فيرون أن هذا المجتمع يتكون منهم ، و أن مجتمعهم ليس مجتمعا مثاليا خياليا كما كان عند بعض الفلاسفة ، بل يبتعدون عن كل ما يضر بمجتمعهم الواقعي. و هذا الشعور بالانتماء، ينبغي أن يشمل النساء بجانب الرجال حيث يكن أحرص على النهوض بمجتمعهن و تنميته تنمية أخلاقية، بمحاربة جميع أنواع الفساد المادية و المعنوية ، و تصحيح صورة المرأة في المجتمع بل و في العالم كله ، بالوقوف أمام هذا الاستغلال الفادح لصورتها في الإعلام و الإعلان المرئي والمكتوب ، المحلي و الدولي .

و إذا كانت التنمية تتطلب " الاجتماعية في التحرك ، بمعنى أن كل جزء من الأجزاء المكونة للمجتمع يجب أن يساهم في هذا التحرك ، و ينمو من خلاله ، فإن الآثار التي سيتركها هذا التحرك يجب أن ينعكس على مختلف العناصر و المكونات الاجتماعية "[72].

فإذا أدى كل من الرجل و المرأة دوره في تنمية المجتمع، فينبغي إذن أن ترجع الثمار إلى الجميع بالعدل و المساواة ، دون ظلم أو استغلال، كل حسب الدور الذي قام به دون النظر إلى مجرد الفروقات التكوينية . كما أن الدول النامية تحتاج بالدرجة الأولى إلى دور المشاركـة الشعبيـة في تمويـل مشروعات التنميـة ، دعما لاقتصاديات التنمية الاقتصادية، و ذلك بضرورة مساهمة جهود الأفراد لاستكمال التقدم الاقتصادي ، و دفعه لتحقيق المستوى المطلوب الوصول إليـه ، و من هناك أصبحت حاجة ملحة للمشاركة الشعبية ، و هي كل ما يبذله الأفراد و الجماعات من طاقة عمل أو إسهام مادي في تنفيذ أو تشغيل أو استثمار مشروع لتنفيذ رغبة ذاتية للأهالي دون تحمل الدولة أية أعباء[73].

النقطة الثالثة : الاستمرارية و الرقابة :

تتطلب التنمية الشاملة جهودا مستمرة دؤوب ، و رقابة دائمة و متابعة ، و تصويبا لأنماط الخلل[74] ؛ فالتنمية الشاملة الناجحة تتطلب المداومة في العمل و المواظبة في بذل الجهود و عدم التوقف في وسط الطريق ، كما تحتاج إلى مراجعة فاحصة دقيقة مستمرة للأهداف و الوسائل المتخذة و النتائج المحصول عليها للمقارنة بين هذه العناصر الثلاثة وتصحيح الأخطاء متى حدثت .

النقطة الرابعة: اختيار أكفاء المجتمع:

تتطلب تنمية المجتمع أيضا "اكتشاف القيادات المحلية وتشجيعها وتدريبها"[75]؛ فالاعتماد أولا على الجهود المحلية والعقول المنتمية إلى المجتمع، وذلك لمنع ظاهرة هجرة العقول إلى الخارج. و ينبغي ألا تجد المحاباة سبيلا إلى هذا الاختيار، كما ينبغي ألا يحجر على عقل لجنسه أو طائفته، لكن كل في مكانه المناسب و في وقته المناسب.

النقطة الخامسة: القيم الاجتماعية السائدة:

تقوم القيم الاجتماعية بدور هام في تكوين البنـاء الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي والسيـاسي للمجتمعات ، و تحتاج عمليات التنمية إلى أنماط سلوكية جديدة ، و بالتالي تحتاج إلى قيم جديدة تدفع إلى أهداف التنمية و تقودها إلى الطريق الصحيح ، ولذا فإنه إذا كانت القيم الاجتماعية جامدة و مختلفة ، واجهت برامج التنمية عقبات شتى في التنفيذ . و من القيم التي تعوق التنمية :

- الانعزالية و التوكل على الغير .   

- عدم الإيمان بالجديد ، و التخويف من المستحدثات .

- عدم الاعتراف بأهمية ودور المرأة في المجتمع، مما ينتج عنه تعطل طاقات نصف المجمع تقريبا[76].

و لكي لا تقف القيم الاجتماعية حجر عثرة أمام التنمية ، و لكي يشارك جميع أفراد المجتمع القادرين على البذل و العطاء و الإنتاج ، فإنه لا بد من اعتبار جملة أمور مهمة في نجاح التنمية ، و في ذلك يقول الدكتور محمد عبد المنعم عفر : " و لا شك أن نجاح
التنمية لأي مجتمع من المجتمعات رهن بإيمان الناس بها وتفاعلهم معها و مشاركتهم في جهودها و جنبهم ثمارها ؛ فالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية كما هو معلـوم تحتاج إلى إطار يجمع أفراد المجتمع كلهم حتى يتحركوا جميعا صوب التنمية ، لأن اختيار الدولة والتزامها بالتنمية في إطار منهج اقتصادي محدد تلتزم به الدولة فقط دون أفراد المجتمع لا يكفل تحقيق التقدم المطلوب لعدم تفاعل المجتمع جميعه معه و استجابتهم له . و إزاء ذلك، فإنه يلزمنا أساليب تنموية تناسب معتقداتنا و قيمنـا الإسلاميـة على ضوء القرآن والسنة و الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية الفعلية لمجتمعاتنا الإسلامية و المشاكل والقيود التي تواجهنا و تتمشى مع التغيرات في الظروف المختلفة ، أي أنها تقوم على ترجمة أهدافنا وقيمنا إلى واقع ملموس في صورة أساليب واقعية قابلة للتطبيق العملي"[77].

إن للقيم الاجتماعية دورا كبيرا بارزا في توجيه التنميـة أو عرقلتها ، حيث إن القيم الاجتماعية عادات و تقاليد الأفراد و الأسر في المجتمع، فإذا كان أفراد المجتمع يدركون أهمية تنمية مجتمعهم ، و يدرك الجميع ضرورة مشاركة الرجال والنساء القادرين بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن هذا الجو الإيجابي المسؤول من شأنه أن يؤدي إلى تنمية راقية و ازدهار متواصل و تقدم كبير لمجتمعهم .

و لا يعني استناد التنميـة إلى القرآن و السنة ضرورة الاكتفاء بهما ؛ فالقرآن الكريم منبع الأخلاق والقيم و الفضائل في حياة المسلمين كافة وسبيل نهضتهم و رخائهم، والسنة المطهرة هي المحجة البيضاء الثانية بعد القرآن ، و بنى الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام عليهما و لم يمنعه ذلك من الاستفادة بالخبرات الإنسانية الأخرى ، و ربى صحابته على النـور القرآني و الهدى من أحاديثه فأكملوا نهوض دولـة الإسلام بعده وازدهارها ، و كان القرآن مرجعهم في الوقائع و الأحداث ، فإذا لم يجدوا لجأوا إلى السنة المطهرة " متى ظفروا بها و وثقوا من صدق روايتها ؛ فقد كان أبو بكر إذا وردت عليه حادثة نظر في كتاب الله فإن وجد به حكمها قضى بها و إن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن وجد عنده ما يقضي به قضى به ، فإن أعياه سأل الناس وكان عمر يفعل مثل ذلك، وكذلك عثمان و علي رضي الله عنهم"[78].

فقد كان الأخذ بنظام الوزارة والدواوين- مثلا - ضرورة لازمة لتنظيم شؤون الحكم، و ذلك بعد أن توسعت رقعة الدولة ، فلـم يكن الإسلام مانعا من الاستفـادة من خبرات الأمم الأخرى ، فكان ذلك مظهرا من مظاهر الانفتاح على الكسب الإنساني العام .

 

خاتمـــة

و بهذا نكون قد وصلنا إلى ختام هذا البحث ، فنشكر الله شكرا لا نظير له ، و نحمده حمدا منقطعا عن النظير و الشبيه ، لما وفقني للوصول إلى نهاية هذا الموضوع الطويل الحيوي . و قد أخذني هذا الموضوع للركوب على سفينة شائكة مليئـة بمناقشات حادة وجدية بين العلماء و الكتاب ، كل حسب قناعته أو مدرسته التي ينتمي إليهـا أو محيطه الذي يعيش فيه، فدخلت معهم في تضارب الآراء و الأمواج حتى وصلت إلى بر الأمان بأهم النتائج التي سأذكرها على الشكل التالي :

1- أهمية تنمية جميع أنواع المجتمعات البشرية تنمية شاملـة ، تأخذ بعين الاعتبار الجانب الأخلاقي متكاتفا مع الجانب الرفاهي المادي ؛ لأن الاهتمام بالمادة دون وجود صوت للأخلاق المهذبة التي تترجم في أفعال أفراد المجتمع من الرجال و النساء، يؤدي إلى نتائج عكسية تناقض السعادة في المجتمع . و لعل هذا ما يمكن استخلاصه في حياة الناس في الحضارة الغربية المادية من تفشي الجرائم وانتهاك الأعراض وغياب الشرف و الحياء .

2- أهمية عمل جميع أبناء المجتمع القادرين من الرجال و النساء من أجل النهوض ، دون تهميش أو استهانة بقدرة طبقة أو جنس .

3- ضرورة تكاتـف الدور الرسمي الحكومي مع الدور الشعبي غيـر الحكومي في عملية التنمية ، لأن خصائص التنمية تؤكد لنا أنها تحول سريع و تغير جذري، و تحتاج إلى تخطيط حكيم و شامل .

4- و قاد البحث إلى الوقوف على أن مشاركة المرأة في تنمية المجتمع تأتي من كون الإنسان اجتماعيا بالطبع ؛ فهو يتعامل مع من يحيط به من بني جنسه ، فيأخذ و يعطي ، لأن الحضارة أخذ و عطاء  أو استهلاك و إنتاج ، فلا يستحق الإنسان المكرم أن يسلب منه هذا الطبع الاجتماعي بجعله يأخذ و لا يعطي ، أو يستهلك و لا ينتج . و لكن حتى
تكون هذه المشاركة من جميع أفراد المجتمع بنّاءة و مقبولة، فلا بد من خطوة رفع الظلم بكل أشكاله عن أبناء المجتمع ، و خلق مناخ إيجابي يؤدي فيه كل دوره في ثقـة تامة ، وألا تكون المشاريع مخالفة لعقائد الشعوب و أعرافهم الصحيحة. و لكن مع ذلك، ينبغي تغيير التقاليد التي تقوم أمام التنمية و تعوق سبيلها .

5- إن مساهمة المرأة غير المباشرة في تنمية المجتمع تكون في اتصافها بالأخـلاق الفاضلة وتركها الصفات الذميمة التي تخل بنظام المجتمع و تخدش في الشرف والحياء.

6- إن رعاية المرأة زوجها و إسعاده و محاولة النجاح في الدخول إلى قلبه و حفظها إياه في نفسها و ماله و أسرته ، و اهتمامها بتربية بناتها و بنيها على العفة و الاستقامة والجدية في العمل ، و الاهتمـام بهموم المحتاجين ، و العمل معا من أجل تكوين بيت زوجي يقوم على الاستقـرار و الراحة و السكـون ، كل ذلك و غيره يؤدي إلى تقدم المجتمع و تنميته و يؤثر في الإنتاج القومي .

7- إن دور المرأة المباشر في المجتمع ينبغي أن يدرس داخل إطار مصلحة المجتمع حتى لا تكون هذه المشاركة من دافع مصلحة شخصية ضيقة للمرأة أو لمن يقف وراء هذه المشاركة .

8- أن الإسلام لا يمانع عمل المرأة خارج البيت، و لكن يطلب منها أن تلتزم بالآداب الشرعية التي تصون لها كرامتها و شرفهـا و سمعتها و عرضها . على أن هذه الآداب ينبغي أن يحافظ عليها كل من الرجل والمرأة على حد سواء .

9- ضرورة تثقيف المرأة و تعليمها لتقوم بدورهـا ضد الأميـة المتفشية في أوساط النساء، و الوقوف أمام التيارات الهدامة التي تموج في المجتمعات ، للتمييز بين الصالح والطالح، و العمل في الأنشطة الاجتماعية، وتقديم الخير للناس في المجتمع، و المشاركة العملية السياسية بمفهومها الشامل للجانب الدعـوي ، مشاركة ترشح أو ترشيح من لا يكونون معاول هدم لدينها و أخلاقهـا ، و العمل من أجل تصحيح صورة المرأة في الإعلام، و المساهمة في القطاع الصحي لأنه لا يتصور تقدم أمة مريضة متخلفة عن الطب و فروعه.

10- الاهتمام بدور المرأة الاقتصادي داخل البيت ، و جعل ذلك بديلا عن الاستهلاك المفرط و المتزايد داخل عالمنا الإسلامي ، و تحديث هذا الدور و ترقيته ، خاصة دور المرأة الريفية في اقتصاد الأمة .

و الحمد لله رب العالمين.

 

بقية البحث في أماكن متفرقة من الموقع نفسه

 

مقر الجامعة الإسلامية بالنيجر

ساي 25/04/2006م

الطالب : بانت وغي

bantawague @yahoo.fr

 

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article

Archives

Nous sommes sociaux !

Articles récents